السبت، 15 نوفمبر 2014

العودة إلى موضوع الانتخابات

 

بقلم: الدكتور زكريا خنجي

نشر في جريدة أخبار الخليج في 16 نوفمبر 2014

من الواضح جدًا أن هناك استياء عام في الشارع البحريني من موضوع الانتخابات فما زال الكثير من الناس عازف عن الذهاب إلى صناديق الاقتراع حتى يقوم بحقه في اختيار نائب لمجلس النواب، وخاصة بعد أن شاهد الناس أن عدد كبير من المترشحين قد أعادة ترشيح نفسه، وهم أنفسهم الذين وقفوا ضد زيادة الرواتب وهم أنفسهم الذين قلموا أظافر المجلس في موضوع استجواب الوزراء.

ليس ذلك فحسب وإنما هناك اعتقاد وقناعة شبه تامة أن الحكومة هي التي تختار من تريد ليصبحوا أعضاء للمجلس وتقصي من لا تريد، لذلك فإن الناس أصبحت ترتاب في العملية الانتخابية برمتها.

وقضية أخرى، فإن الناظر إلى وجوه من تقدموا لترشيح أنفسهم – ليس كلهم ولكن عدد منهم – لا يعرف التحدث بالعربية أو أن يكتب اسمه، فكيف يمكنه أن يكون ممثلاً لدائرة انتخابية، فما بالنا بمشجع كرة قدم وصباب شاي وما إلى ذلك، ونحن هنا لا نسخر من أحد أو نقلل من شأنه، ولكن المجلس من المفروض أن يدخله نوعية من الرجال والنساء ذوي الكفاءات الذين يستطيعون أن يرفعوا من شأن البلد والمواطن، لا الذين يفكرون في جيوبهم وامتيازاتهم فقط، هؤلاء سيقومون مستقبلاً بوضع التشريع ومراقبة عمل الحكومة ودراسة الميزانيات وما إلى ذلك، فهل يستطيع كل من تقدم بترشيح نفسه أن يعمل ذلك ؟ أم أن الكفاءات يتم إقصاءهم من العملية الانتخابية وهذا الحديث بدأ يسري كسريان النار في الهشيم وخاصة بعد أن تم إقصاء عدد من الكفاءات الوطنية من العملية الانتخابية بسبب أو بآخر.

كما ولا حظنا أن بعض الجمعيات تقدم مرشحيها للانتخابات ليس بسبب كفاءاتهم أو قدراتهم العالية وإنما بسبب أنهم أعضاء في الجمعية فقط، حتى وإن لم يكن قادر على فعل شيء، المهم أن تمتلك الجمعية صوت ومقعد إضافي في المجلس يمكن أن يساعدها على تمرير مشاريعها وأفكارها، هذا طبعًا إن كان لها مشاريع وأفكار.

ومن المضحك المبكي – وخاصة في هذه الدورة الانتخابية – وجد بعض أعضاء المجالس البلدية في نفسه الكفاءة أن يقدم نفسه للترشيح كنائب للبرلمان، على الرغم من أنه لم يقدم لدائرته الخدمات المقررة والتي من المفروض أن يقدمها كعضو مجلس بلدي، يا ترى ماذا يمكن أن يقدم هذا الإنسان للبرلمان بعد أن كان عاجزًا أن يقنع المواطنين في دائرته من خلال عضويته في المجلس البلدي أنه الكفاءة المناسبة للمنصب القديم مقارنة بالمنصب الجديد ؟

بعض المرشحين يقدم نفسه على أنه الإنسان "السوبرمان" الذي يمكنه أن يحرك كل الملفات المغلقة؛ مقل: الإسكان والتعليم والشباب والمرأة والمخلفات والإيجارات والكهرباء وكل شيء، ويعزف على أوتار رغبات الناس وضعفهم وتطلعاتهم بحياة كريمة، وفي الحقيقة فإن الناس تعرف علم اليقين أنه لا يمكن أن ينجز 1% من الكلام الذي يقوله، ولكن الناس ضعفاء أمام احتياجاتهم الأساسية ورغباتهم الحياتية، فيضطرون إلى تكذيب أنفسهم ولكنهم أيضًا لا يصدقون مرشحيهم، وإنما يتغافلون عن هذه الحقيقة لاعتقادهم أن هذا المرشح يمكن أن يوظف ابنهم أو أن يحلحل الرواتب التقاعدية وبعض الأمور الحياتية الأخرى.

مثل هذه الأمور وأمور أخرى كثيرة جعلت الناس تعزف عن الرغبة في الاستمرار في العملية الانتخابية، وجعلت النكات تنطلق من الأفواه لتتندر من الانتخابات برمتها، فتزعزعت الثقة، فضرب اليأس جذوره في النفوس، إذن كيف يمكن إعادة الميزان إلى وضعه الطبيعي ؟

لا أدعي أن عندي الحل أو العصا السحرية لتوضيح الحلول التي من الممكن أن تمارسها الحكومة أو مجلس النواب للخروج من عنق الزجاجة، ولكن حتى تتضح الأمور بأسلوب علمي يجب أن ندرس الموضوع أولاً، كيف ؟ على الحكومة أن تصمم استبانة وطنية لدراسة اتجاهات المواطنين نحو البرلمان، وما تخوفهم من هذا المجلس، وهل هناك فعلاً عزوف أم أننا نشعر بذلك فحسب، وربما في الحقيقة – قد – لا يوجد عزوف، هل تمت دراسة كل الإشاعات والأقوال التي تروج عن البرلمان ؟ نحتاج فعلاً إلى حقيقة.

نتائج هذه الدراسة الوطنية يمكن أن تعد مؤشر لاتجاهات الناس وربما حتى معلوماتهم عن البرلمان وأدواره المختلفة في المجتمع، فكم مواطن لا يعرف دور المجلس النيابي في المجتمع ؟ وكم منهم يخلط ما بين المجلس النيابي والمجلس البلدي ؟ وكم من راغب في ترشيح نفسه للبرلمان وهو لا يعرف دوره في هذا البرلمان ؟ وماذا يحتاج الناس لرفع مستوى الوعي لديهم بالحياة البرلمانية ؟

تبنى على هذه الدراسة بعض البرامج التوعوية سواء من خلال التلفزيون أو الإذاعة أو الصحافة بالإضافة إلى استخدام قنوات ووسائل التواصل الاجتماعي، فاليوم يعد تجاهل وسائل التواصل الاجتماعي في أي خطة إعلامية ضرب من الغباء السياسي يؤدي حتمًا إلى الفشل السياسي.

وفي الحقيقة فنحن لم نسمع "بمعهد البحرين للتنمية السياسية" إلا منذ حوالي شهرين فقط، حينما بدأ في تنفيذ بعض المحاضرات للراغبين في الموضوعات المتعلقة بالبرلمان، وإن كنا نعتقد أن على هذا المعهد يقع عبء كبير في عمل العديد من البرامج التدريبية المستمرة طوال العام للراغبين كلها تصب في موضوع البرلمان والمجالس البلدية وما إلى ذلك، وإن كنا نقول برامج تدريبية مستمرة فإننا نقصد برامج تدريبية وليس مجرد بعض المحاضرات السريعة فقط، وليس المطلوب هنا بعض البرامج السياسية وإنما يمكن أن يشمل ذلك العديد من الموضوعات الأخرى التي يمكن أن تخدم النائب أو العضو البلدي في حياته العملية؛ مثل: القدرة على الحوار وتقبل الرأي الآخر، القدرة على التحدث أمام وسائل الإعلام، كتابة المحاضر والتقارير، إجراء البحوث .. الخ.

وربما يأتي ذلك اليوم الذي نفكر فيه في المؤهل الدراسي للراغبين في الترشيح للبرلمان، وقد يقول قائل إن من يملك الشهادة الجامعية قد لا يكون مؤهلاً للمجلس، فكم من إنسان قد لا يملك تلك الشهادة إلا أنه في حياته العملية إنسان فعال ومنجز ومتمكن من إدارة شئون أعماله ونفسه ومجتمعة، وفي الحقيقة نحن لا نختلف عن ذلك كثيرًا، ولكن من غير المعقول أيضًا أن نترك الحبل على الغارب لكل من جاءه الإلهام بالليل فيعتقد أنه الشخص المناسب لكرسي البرلمان، نحن نعتقد أنه يجب أن تكون هناك ضوابط ومقاييس واضحة ومحددة للعيان لكل من يرغب في الجلوس تحت قبة البرلمان.

ونعتقد أيضًا أنه حتى تتغير صورة البرلمان في أعين الناس فإنه يجب أن ينجز شيء – أي شيء – يكون للمواطن فيه النصيب الأكبر، وأن يمتلك فيه النواب أدواتهم البرلمانية الصحيحة حتى يستخدمونها بصورة صحيحة، فالكثير من المواطنين يتساءلون كيف استطاع البرلمان في جلسة أو عدة جلسان قليلة أن يفرض على المواطنين ضريبة التعطل (1%) ولكنه لم يتمكن حتى الأن من زيادة الرواتب على الرغم من مرور 12 سنة على التجربة البرلمانية في البحرين ؟ لماذا تمكن المجلس من الأولى وعجز بل وعجز عجزًا كبيرًا من الثانية ؟

لماذا لم يتمكن البرلمان من القضاء على الفساد الإداري والمالي على الرغم من تقرير الرقابة المالي الواضح، لا وبل والشديد الوضوح، لماذا المماطلة من قبل النواب ؟

يسمع المواطن بالعجز المالي للدولة إلا أنه في المقابل يرى البذخ في أمور أخرى كثيرة، لذلك يتساءل أتقتير هنا وبذخ هناك ؟ إذن أين الشعارات التي رفعها النواب مثل "نعمل من أجل المواطن" أو ما شابه ذلك.

يرى المواطن عجز وعجز واستمرار للعجز وأخيرًا فشل يؤدي إلى إحباط، وبالتالي فقدان الثقة بالتجربة البرلمانية في البحرين.

الناس في البحرين اليوم منقسمين إلى عدة فئات؛ فئة حسمت أمرها لذلك فإنها في خانة مقاطعة الانتخابات، فئة أخرى أيضًا حسمت أمرها وهي مع الانتخابات، فئة تريد أن تنتخب ولكنها لا تعرف لمن تقدم صوتها، فئة لم تحسم أمرها بعد، وفئة رابعة وخامسة وسادسة .. الخ، كل هؤلاء – فيما عدا المجموعة الأولى – يريدون أن يقتنعوا بالتجربة البرلمانية وأن يقدموا صوتهم لمن يستحق هذا الصوت حتى يخدم الوطن، ولكن الكثير منهم لا يعرف كيف ؟ فهل قدمنا له يد العون حتى يجتاز هذا الحاجز ؟

سألت ذات يوم امرأة كبيرة في السن نوعًا ما عن مشاركتها في الانتخابات وهل ستذهب إلى صناديق الاقتراح في اليوم المحدد لتقديم صوتها، ابتسم وقالت: أكيد، فقلت لها: يا خالة أنت امرأة كبيرة في السن، وربما هذا الموضوع لا يهمك كثيرًا. قالت: يا ولدي أخاف أن يأتي يوم يقول فيه أحفادي إنه بسبب أجدادنا ماتت هذه التجربة في مهدها، أنا أقوم بهذا الفعل لأجل أن تبقى لأحفادي لعلهم يستطيعون أن يغيروا شيء في زمانهم.

هذه هي الإيجابية التي ننشدها نحن اليوم.

القضية ليست اليوم وإنما غدًا وبعد غد، ربما لم نعرف ولم نستطع نحن أن نتعامل مع هذه التجربة، فهل نقتلها في مهدها، ونولول أن البرلمان لم يفعل شيء لنا ؟ ولنتفق جدلاً إن البرلمان لم يقدم لنا شيء، ولكن بقاء البرلمان واجب والمحافظة على بقاءه فرض، وجود البرلمان بكل سلبياته اليوم أفضل بكثير من عدم وجوده.

إن الذين يريدون أن يُفشلوا التجربة فهؤلاء لا يعرفون معنى الديمقراطية، بل لا يؤمنون بها وإن كانوا يتصايحون عليها ويذرفون الدمع، هؤلاء طلاب حكم وثروة وامتداد للسلطوية، فالديموقراطية ليست كذلك.

لذلك ومن قناعة شخصية نقول إن من الإيجابية المشاركة وليست المقاطعة، فالمقاطعة سلبية.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق