الأحد، 23 نوفمبر 2014

طفلٌ يقرأ

 

تاريخ النشر في جريدة أخبار الخليج :٢٣ نوفمبر ٢٠١٤

بقلم: د. زكريا خنجي

عبء وسؤال كبير يقع على عاتق العديد من الأسر التي تهتم، وخاصة في ظل وجود كل تلك المغريات الإلكترونية والفضائيات الخطيرة؛ كيف أجعل ابني أو ابنتي يهتم بالقراءة بصورة عامة؟ كيف أجعله يقرأ كتاب سواء كان ورقيا أو إلكترونيا؟ كيف أجعله يترك الواتسأب والإنستغرام والعوالم الافتراضية والفضائيات العالمية ويقرأ صفحات من كتاب علمي أو معرفي أو ثقافي؟ كيف نحول أطفالنا من الاهتمام بالكورة إلى القراءة؟
مثل هذه الأسئلة كثيرًا ما تتوجه إليّ وخاصة في الدورات التدريبية التي أقيمها بين فترة وأخرى ذات العلاقة بالكتابة والتأليف وبالتالي القراءة.
قالت لي إحداهن ذات مرة؛ حاولت كثيرًا أن أجعل أبنائي يقرؤون، ودفعت الكثير من الأموال على الكتب، وكنت أشجعهم باستمرار، ولكن النتيجة لا شيء، دائمًا سلبية فالأطفال لا يحبون القراءة.
وثنى على ذلك عدة أفراد سواء من الإناث أو الذكور، وعلى ذلك اتهم الجيل الجديد بأنه جيل لا يقرأ، إلا أن واحدة من الحضور لم تؤيد ذلك ولكنها سألت الحضور هذا السؤال: هل أنتم تقرأون؟ كم كتابا تقرأون في الشهر؟ فسكت الجميع وكأن على رؤوسهم الطير، كما يقول المثل العربي، لم يتحدث أحد وإنما بدا كأنهم يتململون، وهنا طبعًا كان بيت القصيد، لماذا لا يقرأ الطفل والشباب، هل لأننا نحن الآباء لا نقرأ؟ هل لأننا قدوة سيئة في هذا الجانب ؟
حسنٌ، لنعد إلى البداية ونسأل أنفسنا كيف نشجع أطفالنا على حب القراءة؟
هناك أمور عديدة وكثيرة وأساليب تربوية متنوعة يمكن أن يسلكها الآباء والأمهات حتى يثيروا رغبة القراءة عند الأطفال، إلا أننا نجد أن النقطة الأولى يجب أن تبدأ من الدولة، فالدولة يجب أن يكون لديها توجه عام لجعل الأطفال يقرؤون، فليس من المنطق أو المعقول أن يقوم الآباء والأمهات بإثارة رغبة القراءة عند الأطفال والفضائيات تحاول أن تهدم كل تلك الرغبة، ووسائل التواصل الاجتماعي تقتل هذه الرغبة بما تبثه من برامج وإشاعات وما إلى ذلك.
على الدولة أن تجند كل وزارتها ذات العلاقة ومسئوليها وكل من له الصلة، وأن يعمل الجميع في هذا الاتجاه، فيمكنها مثلاً أن:
1- تنشئ المكتبات العامة في كل منطقة، وإن كانت هذه المكتبات موجودة فإن عليها أن تكون موجودة بحق، إذ يجب أن تقيم البرامج ومسابقات القراءة وتوزع الجوائز والهدايا للرواد الدائمين وأكثر المداومين على الاطلاع وما إلى ذلك وأن تثير لدى الأطفال هذه العادة بمثل تلك البرامج، لا أن يقوم الموظفون بفتح باب المكتبة وغلقها بحسب الدوام الرسمي، ولا يؤم المكتبة إلا القلة القليلة.
2- أن تخصص جزءا من ميزانياتها السنوية لطباعة الكتب - لجميع الفئات - وخاصة الكتب ذات المستوى العلمي والفكري الجيد وتبيعها للمواطنين بسعر الكلفة، ويمكن أن تركز على كتب الأطفال وخاصة في البداية.
3- أن تعاد صياغة المناهج وخاصة في مراحل التعليم الأساسية لتكون القراءة وحب القراءة والمطالعة جزءا منها، لا أن يتعلم الطفل لينجح فقط، وإنما يتعلم لكي يحب القراءة والمطالعة.
4- أن تستحدث برامج تلفزيونية وإذاعية تحث على القراءة والمطالعة، ويمكن أن تقام مسابقات ثقافية وعلمية من خلال هذه الأجهزة، وكذلك يمكن أن يشجع الأطفال على التأليف والكتابة بشتى صورها، وتمنح جوائز قيمة للفائزين.
5- تشجع الكتّاب ومؤلفي البلاد على التأليف والكتابة، ويمكن أن تسهم الدولة بجزء من تكاليف الطباعة والنشر والتوزيع.
6- يجب أن تسهم الدولة في إقامة المراكز الثقافية وأندية القراءة للتحاور الفكري، سواء على مستوى الوطن أو على مستوى الجامعات أو المدارس.
وهذا غيض من فيض، وهناك العديد من الأمور التي من الممكن أن يقع عبئها على الدولة ولا نريد الإتيان بها، ولكن ماذا يقع على أولياء الأمور، هل يقفون مكتوفي الأيدي ويتفرجون من غير أن يكون لهم وجود وتأثير في الموضوع ؟
في الحقيقة على أولياء الأمور يقع عبء كبير ويمكن أن نلخصه في التالي:
1- القدوة الحسنة، فليس من المنطق أن تطلب الأم من أبنائها القراءة وهي لا تقرأ ولا تقرب كتابا، وعندما نتحدث عن الأم فإننا نقصد الجميع، فالأسرة يجب أن تكون قارئة، فالأسرة خير محضن لتربية الأبناء على حب القراءة.
2- يفضل أن يكون في المنزل مكتبة حتى لو كانت صغيرة، ويجب ألا يمنع أطفال المنزل من ارتياد هذه المكتبة، فإن كانت تحوي بعض الكتب الثمينة الخاصة بالوالدين، فيمكن تخصيص جزء من هذه المكتبة للأطفال وإبعاد تلك الكتب الثمينة عنهم خوفًا من تمزيقها واللعب بها.
3- خصص جزءا من وقتك -الأب والأم أو أحدهما- للجلوس مع الأطفال في المكتبة لممارسة القراءة معهم، اقرأ لهم فترة واسألهم بعض الأسئلة عن موضوع الكتاب لمعرفة مدى استيعابهم للموضوع، وخصص جزءا من الوقت ليقوموا هم بالقراءة بدلاً منك واستمع لهم، وناقشهم في موضوع الكتاب.
4- عند إقامة معارض الكتب خذهم معك إلى المعرض وأعط كل واحد منهم مبلغا من المال ودعه يشتري الكتاب الذي يحبه، وإن عجز أو استشارك فلا تبخل عليه بالنصيحة، وربما تسهم معهم في البحث عن الكتاب الذي يحبونه أو الكتاب الذي يناسب أعمارهم، المهم ألا يخرج من المعرض إلا بكتاب قد اشتراه هو بنفسه.
5- ولا تنس أن تكتب اسمه -هو- على الكتاب وأن تجد للكتاب مكانا في مكتبة المنزل، وهذا لا يمنع أن تضع الكتاب فترة عند سريره حتى يقلبه ويتمعن فيه بين فينة وأخرى.
6- اجعل الكتاب والقراءة جزءا من حياتك وحياتهم، وإن كنت تشاهد التلفزيون ناقشهم فيما يعرض على الشاشة الصغيرة، إن ذهبت معهم إلى السينما لمشاهدة فيلم ناقشهم فيه واسمع آراءهم وأفكارهم، اجعل جزءا من حديثك معهم حديثا ثقافيا فكريا.
7- لا تضغط عليهم ولا تضغط على نفسك ولا تغضب إن انصرفوا بعض الوقت عن الكتاب، اتركهم يمارسون بعض الأنشطة الأخرى، ولكن ربما أمكنك بعد ذلك إعادتهم إلى الكتاب بطريقة شائقة ومسلية.
8- أثناء سفرك وغيابك عنهم فترة أحضر لهم مع الهدية التي جلبتها لهم كتابا كهدية، ويمكنك أن تقدم لهم مع هدية عيد ميلادهم كتابا، أي اجعل الكتاب أجمل هدية في جميع المناسبات.
9- وقبل السن المدرسي ساعدهم على ممارسة الأنشطة التي تعد فيها القراءة جزءا من النشاط، وإن كان هذا الجزء صغيرا.
10- وأخيرًا وهي أولاً يجب أن تعيش أنت أولاً أن القراءة جزء مهم من عقيدتنا الإسلامية، فهي أول آية نزلت، وأول فكرة سادت وأول تشريع ألزم، فاجعل القراءة جزءا أساسيا وعقائديا من فكرك، حينئذ سيتوجه أطفالك للقراءة.
وهذا أيضًا غيض من فيض، فلا يستطيع مثل هذه المقال الصغير إلا أن يكون جزءا من توجيه عام للقراءة، لذلك أقول دائمًا يجب أن تتحول القراءة إلى عادة من العادات الحسنة في حياتنا الفكرية والمعيشية، شأنها شأن الرياضة والأكل والصلاة وما إلى ذلك.

قال لي صديق حكايته مع القراءة، يقول:
بدأت حكايتي مع القراء في سن مبكرة جدًا ربما كنت في الرابعة الابتدائية، قبل أن أسترسل في قصة صديقي فإن القصة التي نتكلم عنها حدثت في الستينيات من القرن العشرين، أي كان عمر هذا الصديق آنذاك حوالي 9 سنوات، كنت في ذلك الوقت شغوفا بالقراءة إلى درجة كبيرة، لا أعرف لماذا ولكن كنت أشعر دائمًا بهاجس يدفعني إلى اقتناء كل مجلة يحضرها والدي إلى المنزل - بالمناسبة والده يرحمه الله كان أميًا وليس جاهلاً - كنت أطالعها من الغلاف إلى الغلاف، كنت أشاهد الصور وأحاول أن أكتب المجلة في أوراقي الخاصة وأنا لا أعرف ماذا أكتب لأني لم أكن أعرف القراءة آنذاك.
كنت بين فترة وأخرى أطلب من أبي أن يعطيني (100 فلس) وهي تعني الكثير في ذلك الوقت من أجل شراء مجلة مصورة -مثل مجلات سوبرمان وطرزان وما إلى ذلك- كان والدي يزمجر ويغضب ولكنه في النهاية يخضع لرغبتي في القراءة ويعطيني، فكنت أركض إلى المكتبة لشراء مثل هذه المجلات، فكنت أحاول قراءتها وأجد صعوبة بالغة ولكني كنت أرغب أن أعرف وأن أتعرف على معارك طرزان والقرود وسوبرمان والكائنات الفضائية ومجرمي الأرض، ومع إصراري على القراءة والاطلاع بدأت بالفعل أقرأ، وعندما بلغت المرحلة الإعدادية لم تكن مثل هذه المجلات تشبع رغبتي في القراءة فكنت أجمع من مصروفي اليومي 50 فلسا على 50 فلسا حتى يتجمع لدي دينار حينئذ أذهب إلى سوق المنامة لشراء كتاب من كتب مصطفى محمود أو العقاد أو المنفلوطي، كانت المعاناة شديدة مع عمالقة الأدب العربي ومفكري العرب، ولكنها رغبة تتأجج في القلب لم أستطع يومًا أن أكبتها.
وعندما سافرت إلى الجامعة كنت أخصص مبلغا من مصروفي الشهري لشراء الكتب، كل أنواع الكتب، لم أحدد صفة الكتب التي أشتريها أو أوصافها وإنما كنت أشتري من كل البحار والأطياف، واليوم أصبحت لدي مكتبة تحوي المئات من تلك الجواهر النفيسة.
ثم قال: رحم الله والدي فقد علمني وشجعني على القراءة بالمائة فلس التي كان يستقطعها من مصروفنا حتى يشبع رغباتي في القراءة، فلربما لو حرمني من هذا المبلغ لما أصبحت ما أصبحت عليه اليوم.

الخلاصة، لو حاول كل أب وحاولت كل أم أن تغرس هذا الحب في نفوس أبنائنا لتحررنا من واقع شبه الأمية التي نعيشها في الوطن العربي اليوم، لوجدنا أن أولادنا يعيشون حالة القراءة أكثر من عبثهم بالواتسأب والإنستغرام.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق