السبت، 28 مارس 2015

كيف تتخذ قرارًا؟

 

 تاريخ النشر في جريدة أخبار الخليج :٢٩ مارس ٢٠١٥

بقلم: د. زكريا خنجي

أكاد أجزم أنه لا يمر يوم على إنسان إلا ويمر في لحظة يكون فيها مضطرًا إلى أن يتخذ قرارا ما، ولكن هذه القرارات تختلف من حيث حجمها وأهميتها، فقرار مثل الزواج يختلف عن قرار مثل شراء نوع معين من الحلوى، فليس هذا مثل ذلك.
وقد يجد بعض الناس أنه من الصعوبة بمكان اتخاذ قرار معين، ويحتار، ولا يعرف ما يمكنه أن يفعل تجاه المعضلة التي تواجهه، وقد يجد آخرون أن الأمر لا يعدو كونه أمرا طبيعيا فالزواج بالنسبة إليه أمر مثل شراء الحلوى، كلها لحظات ويمكنه أن يتخذ أي قرار بخصوص أي شأن، ومن غير تحمل العواقب.
وفي كل الأحوال فإن عملية اتخاذ القرار تحتاج من المرء إلى التفكير بشيء من الجدية في الموضوع المطروح، فحتى شراء قطعة من الحلوى عند الكثير من البشر يحتاج إلى اتخاذ القرار، فلو كان هذا الإنسان لا يملك من المال الكثير وأحب أن يرفه عن نفسه في مقابل بعض المال الذي يمكن أن يوفره لأطفاله، فإن هذا الموضوع فعلاً يحتاج إلى تفكير واتخاذ قرار، لذلك نعتقد أن مثل هذا الموضوع - اتخاذ القرار - فعلاً يحتاج منا إلى التفكير والتأمل؟

حسنٌ، كيف يمكننا اتخاذ قرار ما؟
تصور نفسك وأمامك معضلة ما، أيًا كانت هذه المشكلة، وأنت مطالب باتخاذ قرار بصورة أو بأخرى، فكيف يمكنك أن تتصرف؟ علمًا أن هذا القرار مهم اتخاذه.


1ـ افهم المعضلة أو الموضوع بصورة جيدة؛ فالفهم الخاطئ دائمًا يأتي بنتائج خاطئة، فلو فهم إبليس - عليه لعنة الله - أن أمر سجوده لآدم بصورة أنه أمر من الله سبحانه وتعالى بغض النظر عمن هو أفضل ومن هو دون ذلك، لظل في الجنة حتى اليوم.
2ـ أعط نفسك فرصة للتفكير والتأمل؛ فلا تستعجل اتخاذ قرارك وخاصة في القضايا المصيرية، حاول أن تفكر بهدوء وعقلانية وبعيدًا عن الانفعال والغضب؛ فالسيطرة على النفس من أصعب ما يكون ولكن لا بد من ذلك، وإلا كان القرار خاطئًا. وفي حديث مرفوع يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم «لا يحكم الحاكم بين اثنين وهو غضبان».
3ـ ضع المسألة ضمن إطارها الصحيح؛ وهو إطارك أنت، وهذا يعني معاييرك التي عادة ما تتخذ عليها أي قرارات، ومبادئك وأهدافك وقيمك وطموحاتك، فلا يمكن أن تتخذ أي قرار بعيدا عن كل ذلك، بالإضافة إلى انعكاسات هذا القرار على كل تلك القيم التي تعيشها سواء من الناحية الإيجابية أو السلبية، فاسأل نفسك - مثلاً - قبل اتخاذ القرار: هل هذا القرار ومخرجاته تتلاءم مع مبادئي؟ هل هذا القرار الذي سأتخذه يحقق شيئًا من أهدافي؟ هل هذا القرار يدفعني إلى الأمام؟ فبعد مثل هذه الأسئلة وغيرها سيتغير تعاملنا مع الحدث.
4ـ ارجع إلى ماضيك واستفد من تجاربك وخبراتك؛ فتجاربك الشخصية تمنحك القدرة لمعرفة القرار الصحيح من الخاطئ، فقد يكون في ماضيك قرارات كثيرة خاطئة ولكن لا تجعلها تحطمك أو تمنعك من اتخاذ قرارات جديدة، فالماضي قد ذهب ودع نظرك دائمًا إلى المستقبل، استفد من تجاربك في عدم الوقوع في قرار خاطئ آخر مماثل، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «لا يلدغ المؤمن من جحر واحد مرتين».
5ـ تقصَّ الحقائق؛ فليس مهمًا أن تسأل نفسك كل صباح ماذا أختار لفطور الصباح، هل آكل بيضًا مقليًا أم مسلوقًا؟ فإن خيارات كهذه لا تحتاج إلى تردد، ولكن انتقاء منزل جديد يقتضي دراسة عميقة تشمل طرح أسئلة من نوع: ما معدل الجرائم في الجوار؟ كم يبعد المنزل عن المتاجر والمدارس؟ هل أسعار العقارات هناك في ارتفاع أم انخفاض؟ ما درجة فاعلية المواد العازلة في السقف والجدران؟ البحث والاستقصاء قد يقرران نجاح قرار مهم أو فشلة. ويرى (باروتش فيشهوف) أستاذ العلوم الاجتماعية في جامعة ميلون: «أن بعض أفدح الأخطاء في أخذ القرارات يعود إلى إهمال أجزاء تفصيلية في القضية المطروحة». فقبل أخذ قرار رئيسي قم بواجبك، واجمع كل ما تحتاج إليه من معلومات، إذ إننا غالبًا ما نتسرّع فنبني أحكامنا على ما تيسر لنا من معلومات متوافرة، وقد نتجاهل الحقائق الأساسية.
6ـ ابحث عن مختلف الحلول ولا تعتمد على حل واحد؛ فغالبًا توجد أمامنا مجموعة أو بدائل عدة لمعضلة واحدة، وقد لا تظهر على الفور أو قد تكون غير واضحة في فترة ما، ولكن إن أطلقنا العنان لمخيلتنا، فإننا حتمًا سنجد أمامنا عدة بدائل، يمكن من خلالها أن نتخذ الحل الأمثل.
7ـ شاور غيرك ولكن لا تدعه يتخذ القرار عنك؛ إن مشاورة الآخرين - وخاصة من نثق فيهم - والاستفادة من عقولهم يزيد المرء بصيرة وقدرة على اكتشاف الإيجابيات والسلبيات؛ فعادة نعتقد أننا نملك المعلومة والخبرة الكافية في اتخاذ القرار، ولكن عندما نتشاور مع الآخرين نكتشف أننا نفتقد الكثير من المعلومات والخبرات، ومشاورة الأمر مع الآخرين لا تعتبر قدحًا في عقل الإنسان أو دلالة على عجزه عن عدم اتخاذ القرار، بل من كمال العقل ورجاحته أن يشاور الثقات فالله عز وجل قد أمر أكمل الخلق عقلاً ورشدًا صلى الله عليه وسلم أن يشاور من هم دونه في العقل.
8ـ إن وجدت أنه لا خيارات أمامك فاصنع خيارا جديدا لاتخاذ القرار؛ فأحيانًا يشعر الإنسان بأن الطريق أمامه مغلق تمامًا، وأن الأفق أمامه ملبد، عندئذ وبدل اليأس والقنوط يجب أن نفكر في خيارات جديدة لم نفكر فيها مسبقًا، فعقل الإنسان غير محدود وخياله خصب مهما كانت الظروف.
9ـ لا تخف من الخطأ؛ فليس صحيحًا أن تكون جميع قراراتنا صحيحة. ولكن الصحيح والمطلوب أن نبذل جهدنا في اتخاذ القرار الصحيح، فالخطأ لا بد أن نراه جزءا من حياتنا الطبيعية فنحن لسنا معصومين من الخطأ، ولكننا نحاول بقدر الإمكان تقليل نسبة الأخطاء التي نسقط فيها. ونحن نعتقد أنه من المستحسن أن نهيئ أنفسنا لبعض المغامرات في حياتنا، وإن أخفقت في اتخاذ القرار فلا تحطم نفسك وتزدرِ عقلك ولكن قل هذه تجربة استفدت منها في عدم السقوط في مثلها في قادم الأيام، فاجعل الخطأ في اتخاذ القرارات هو فرصة تعلم لك فلا تضيعها.
10ـ تحمل مسؤولية قراراتك؛ فعند اتخاذ أي قرار يجب أن تتحمل مسؤوليته وما يترتب عليه من نتائج، مهما كانت هذه النتائج مرعبة أو مزعجة، فإن تزوجت امرأة لا ترغب بالزواج بها من أجل إرضاء والديك - مثلاً - فلا تندم ولا تقل «لو» فإنك ستظل تعيش طوال حياتك وأنت تندب حظك، لذلك عليك أن تتعايش مع قرارك، وأن تغير ما استطعت في المستقبل.
11ـ لا تتخذ قراراتك من وجهة نظر عقلية ومنطقية وحسب وإنما فكر فيها من الناحية العاطفية أيضًا، فالقرار المبني على المنطق دون العاطفة هو قرار لا بد أن تندم عليه لأنك تعيش الحياة وتستقبل نتائج قرارتك بعاطفتك وعقلك لا بعقلك فقط، واسمع للصوت القادم من داخلك، فإحساسك غالبًا ما يكون صحيحًا، ولكن استمع إليه في الوقت المناسب، أي عندما تكون صافي الذهن ولست تحت أي تأثير خارجي.
12ـ ضع في حسابك أسوأ النتائج وأفضلها، وقيم إن كنت تستطيع تحمل الأسوأ، أو إن كان طموحك يقف عند الأفضل.
13ـ عند اتخاذ أي قرار - دائمًا - اترك باب العودة مواربًا، ولا تغلقه خلفك، فلربما تكتشف بعد بضع ساعات من الوقت أن هناك أمورا تجعلك بحاجة إلى ذلك، ولتكن قراراتك مرنة وقابلة للتأقلم مع ما قد يفاجئك به البعض.

ولكن تبقى قضية في هذا الموضوع لم نتطرق إليها وهي كيفية تحليل المعضلة التي تواجهنا، والكيفية المناسبة لفهم أي موضوع يمكن أن يصادفنا في حياتنا، وهذه قضية أخرى.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق