الأحد، 8 مارس 2015

كيف تكسب زملاء العمل ؟

 

 تاريخ النشر في جريدة أخبار الخليج :٨ مارس ٢٠١٥

بقلم: د. زكريا خنجي

في حياتنا العملية نعيش مساحة زمنية طويلة مع زملاء، ربما من الجنسين، نتعامل معهم ونضاحكهم ونأكل معهم وقد نشكو همومنا لهم، وهذه العلاقات قد تنمو فتنتقل إلى الحياة الاجتماعية، وقد تصل في بعض الأحيان إلى الزواج بين الجنسين، وكل هذا أمر طيب ومقبول، ولكن ليس الأمر دائمًا يسير وفق الصورة الوردية المخملية، وإنما تبقى هناك العديد من الحالات التي يسودها سوء الظن والحسد وما إلى ذلك بين زملاء العمل، وهذا من الطبيعي أن يؤدي إلى القطيعة والكراهية وقطع العلاقات والاتصال بين تلك الأطراف.
وحتى لا نصل إلى مرحلة القطيعة وسوء الظن والحسد بين زملائنا نعتقد اننا نحتاج إلى تنمية بعض السلوكيات التي يمكنها أن تساعدنا ولو بصورة قليلة، بدلاً من تركها من غير الاهتمام بها، هذه السلوكيات حتى وإن كانت قليلة ولكن عندما نهتم بها ونرويها فإنها تكبر وتغدو وارفة، عندئذ يمكن أن نستظل بها كلنا، وسنحاول أن نتطرق إلى أهم تلك السلوكيات، وهي على قسمين:

أولاً: أخلاقيات عامة، وهي تلك التي يجب ألا نهملها أبدًا، ونعيشها دائمًا وتبقى جزءا أساسيا من حياتنا، وهي خمسة، وهي كالتالي:
1- إلقاء التحية والسلام، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «والذي نفسي بيده لا تدخلوا الجنة حتَى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتى تحابوا، أو لا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم؟ أفشوا السلام بينكم». إن إفشاء السلام هو مفتاح القلوب، فإذا أردت أن تفتح قلبًا فابدأه بالسلام وإلقاء التحية. قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: ثلاث يصفين لك ود أخيك: أن تسلم عليه إذا لقيته، وتوسع له في المجلس، وتدعوه بأحب أسمائه إليه.

2- ابتسم، ما يكمل إلقاء التحية أو يصاحبها أن تبتسم في وجه زميلك، الابتسامة التي تقول له من خلالها أنا أحبك، وكم افتقدتك منذ نهاية الدوام حتى اليوم، أو كم افتقدتك منذ آخر مرة شاهدتك فيها حتى الآن.
3- أنصت أو أصغِ، وهي ثقافة راقية يجب أن نتقنها ونمارسها ونعايشها في كل لحظات حياتنا، فإن غدت جزءا من سلوكياتنا فإن حياتنا ستتغير إلى الأفضل.
4- الاحترام، وهي عكس كلمة «ازدراء»، ويعد الاحترام أحد القيم الحميدة التي يتميز بها الإنسان عن بقية المخلوقات، ويعبر عنه تجاه من حوله أو يتعامل معه بكل تقدير وعناية والتزام. وهو تقدير لقيمة الشخص الذي يتعامل معه، وإحساس بتميزه. ويتجلى الاحترام كقيمة أخلاقية بنوعية التعامل مع الشخص الآخر سواء بالقبول أو المجاملة أو حتى المشاعر.
5- لا تغضب، لا يمكن أن تستمر علاقة بين شخصين إن كان يسوده سلوك وقيمة «الغضب». نجد ويجد آخرون أن الغضب انفعال فطري طبيعي يشعر به الجميع، ولا يمكن اعتبار الغضب مشكلة في حد ذاته، إلا أن خطورة هذا الانفعال تكمن في عدم القدرة على السيطرة عليه، أو كما يقال عندما يخرج عن السيطرة، فينجم عنه عواقب غير محمودة تختلف حدتها من موقف لآخر. فالغضب عندما يتملك الفرد فإنه يؤثر على جوانب عديدة في شخصيته، مثل الجانب الأخلاقي، وذلك من خلال أقواله وأفعاله فيقوم بشتم أو ضرب من أمامه، كما يؤثر على الجانب الصحي، فيصاب ببعض الأمراض مثل الضغط أو السكري أو القولون العصبي أو رعشة في اليدين أو أمراض القلب، أما عن الجانب النفسي؛ فسيشعر دائمًا بالإحباط وعدم الرضا عن نفسه وعن من حوله، وفي الجانب الاجتماعي؛ تنشأ الخلافات في الأسرة بين أفرادها وقد تؤدي إلى الطلاق وتفكك الأسرة، وفي العمل تجد أن الشخص كثير الغضب في مشاحنات دائمة مع زملائه ورؤسائه، كما أنه يؤثر على علاقات الجيران ببعضهم البعض وتحدث فجوة اجتماعية وتفكك بين الجيران، وليس هذا وحسب بل كل ما يحيط بالفرد في الحياة الاجتماعية. وعن أبي هريرة رضي الله عنه، أن رجلاً قال للنبي صلى الله عليه وسلم: «أوصني»، قال: (لا تغضب)، فردّد، قال: (لا تغضب).

ثانيًا: أخلاقيات خاصة؛ وهي بعض السلوكيات المهمة التي يمكن أن نمارسها مع زملاء العمل بصفة خاصة ومع بقية الناس بصفة عامة، وهي كالتالي:
1- تعرف على اهتمامات زملائك الحالية والمستقبلية؛ حتى تتخطى الحواجز التي يمكن أن تفصل بينك وبين زميل العمل فإنه من الجميل أن تتعرف على بعض اهتماماته وهواياته، وذلك من أجل أن تجدا لغة وموضوعا مشتركا يمكن أن تتحدثا فيه، وهذا يعني أن تنمو بينكما لغة واحدة للتواصل.
2- اعرف ظروفهم، في العمل كثيرًا ما يتم جمع المال من أجل شراء هدية لموظف أو موظفة لسبب أو لآخر، والعديد من الموظفين يتحرجون من المشاركة في مثل هذه الأمور وذلك ربما بسبب قلة الراتب أو الحاجة الماسة للراتب، لذلك من الجميل أن نعرف ظروف زملائنا في العمل - أيًا كانت - حتى لا نحرجهم بطريقة أو بأخرى.
3- التوصل إلى نقاط مشتركة أثناء الحوار، في أي حوار أو نقاش لابد من وجود نقاط مشتركة بين رأيك ورأي زميل، فلماذا لا نبدأ حوارنا ونقاشنا بهذه النقاش بدلاً من إبداء نقاط الخلاف في البداية، عندئذ لا نصل إلى حلول، فلو بدأنا بالنقاط المشتركة فلربما كان حوارنا أسهل، ويجب أن نعلم دائمًا أن الاختلاف - مهما حدث - فإنه لا يفسد للود قضية.
4- حاول أن تتعلم من زملائك؛ ليس عيبًا أن يتعلم أحد من الآخر، فلم يولد أحد وهو ملك كل العلم، وحتى إن كنت تعلم في بعض الأمور وجاءك من زملائك من يحاول أن يشرح لك بعض النقاط البسيطة التي قد تكون غامضة، فلا يجرحك ذلك أبدًا.
5- التواضع، وهي صفة محمودة تدل على طهارة النفس، وتدعو إلى المودة والمحبة والمساواة بين الناس، وينشر الترابط بينهم ويمحو الحسد والبغض والكراهية من قلوب الناس. قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وهو على المنبر: يا أيها الناس تواضعوا فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقول: «من تواضع لله رفعه الله، فهو في نفسه صغير، وفي أعين الناس عظيم، ومن تكبر وضعه الله عز وجل، فهو في أعين الناس صغير، وفي نفسه كبِير، وحتى لهو أهون عليهم من كلب أو خنزير».
6- اعكس الأدوار، إن حدث بينك وبين زميلك أي خلاف، من الأفضل دائمًا أن تنظر للأمر من وجهة نظر زميلك، خذ مكانه، فكر بطريقته، ربما تجد نفسك في موضع يختلف عن موضعك السابق.
7- كن متعاونًا معهم؛ كن جزءا من فريق العمل، لا تعمل لوحدك فأنت لا تعرف متى سوف تحتاج إليهم، لا تتنمر ولا تتفرد وإنما كن متعاونا مع الجميع أيًا كانت الخلافات التي بينك وبينهم.
8- ابتعد عن التكلف بالكلام والتصرف، فأنت ابن هذا المجتمع، فلا أنت أعلى منهم مرتبة ولا أنت أفضل من الجميع، ولا تتفاخر بنفسك وبعلمك وبنسبك، فإنما أوتيت كل ذلك بطريقة ربما لم يكن لك يد فيها، فلا تكذب على زملاء العمل وتنظر إليهم بفوقية حتى وإن كنت كذلك، فكيف إن لم تكن؟
9- لا تحاول الادعاء بما ليس فيك؛ فإنك حتمًا ستنكشف، فلا توهم زملاءك بأنك قريب أو صديق الوزير أو المسؤول الفلاني، فإن مثل هذه الخدع لن تدوم.
10- ابتعد عن الثرثرة والقيل والقال؛ ولا تنقل الكلام بين الزملاء حتى وإن كان صحيحًا، فعن أسماء بِنت يزيد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «ألا أخبركم بشراركم؟» قالوا: بلى، قال: «المشاءون بالنميمة المفسدون بين الأحبة، الباغون للبراء العنت». وقيل لحكيم: إن فلان قد شتمك في أحد المجالس، فرد عليه الحكيم: هو رماني بسهم لكنه سقط ولم يصبني، وأما أنت فحملت السهم وغرسته في قلبي.
11- شاركهم أفراحهم وأحزانهم؛ من أجمل الصفات والسلوكيات وخاصة إن كنت مسؤولاً أن تشارك موظفيك أفراحهم وتواسيهم في أحزانهم مشاكلهم، فمن الجميل أن تزور المرض عندما يمرض، والموظف حينما يتزوج، فإن كل هذه المشاركات ستفتح لك ابواب القلوب المغلقة مهما كانت مغلقة.

وفي الختام، يمكن أن نقول إن الخيارات دائمًا موجودة، فإنك تستطيع أن تختار بين مواجهة الشخص الذي تجد صعوبة في التعامل معه أو تستطيع أن تتجاهله أو أن تكسبه، فإذا اخترت مواجهة ذلك الشخص فإنك ستخسر وكذلك سيخسر هو، ولكن إن فضلت أن تكسبه فإنكما حتمًا ستكونان من الرابحين.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق