السبت، 29 مارس 2014

أبجديات العمل البيئي (1)

 

نشر في جريدة أخبار الخليج في 10 مايو 1994

يخطئ من يظن أن العمل في مجال البيئة لا يقوم على أسس ثابتة وواضحة المعالم، ويخطئ مرة أخرى حين يعتقد أن العمل في هذا الحقل من العلم والمعرفة ليس له هدف واضح، فالعاملون يتخبطون تارة في المحافظة على الحيتان وتارة أخرى في المحافظة على الغابات ومرة ثالثة يقفون حائرين عند بعض المشاكل مثل ثقوب طبقة الأوزون وقضية البيوت الزجاجية، ولكن من المعلوم أن العاملين في هذا الحقل يعتقدون أن جميع المشاكل البيئية – بغض النظر عن ماهيتها ومصادرها – تندرج تحت مظلة واحدة وهدف ثابت لا يتغير وهو (المحافظة على توازن النظم البيئية أو – بمعنى أخر – التوازن البيئي).

التوازن البيئي

يعرف التوازن البيئي بشكل عام على أنها (القدرة على الاحتفاظ بمكونات نظام بيئي معين بأعداد وكميات متناسبة، فإذا نقصت فإنها تتجدد وإذا زادت استهلكت بكميات كبيرة حتى تعود الى وضعها الطبيعي).

فلو افترضنا انه قضي على جميع أعداء الضفادع الطبيعية، ثم توافرت كافة الاحتياجات الغذائية والفيزيائية لتكاثر هذا الحيوان، فما الذي يمكن أن يحدث ؟ من الناحية النظرية فانه وفي خلال 5 أجيال يبلغ عددها حوالي 2 بليون من الأفراد، أما من الناحية العملية فإن هذا لا يمكن أن يتحقق، وذلك لأسباب كثيرة من أهمها أن القضاء على جميع الأعداء الطبيعية لحيوان ما عملية مستحيلة، ولو افترض أن حدث ذلك في فترة من الفترات فان الساحة تكون مهيأة ليتحول الأصدقاء والمحايدون إلى أعداء يستطيبون لحم هذا الكائن الذي بدأ يتوافر بشكل كبير في المنطقة، بالإضافة إلى أن الأعداء الأصليين قد يعودون للظهور مرة أخرى، وفي هذه المرة سيتكاثرون بسرعة كبيرة لتعويض النقص في النسل.

ومن المعلوم أيضا أن الظروف الملائمة لا يمكن أن تتجمع لكائن حي، وإن تجمعت فإنها لا يمكن أن تدوم، حيث أن القوانين والقواعد البيئية تضع حدودًا ونسبًا معينة لتواجد المواد الحية وغير الحية، فلا يمكن أن يتكاثر كائن ويزيد نسله على حساب كائنات أخرى، ولا يمكن أن تطغى مادة غير حية في هذا الكون، وإن حدث ذلك بسبب أو بأخر فان ذلك سيؤدى حتمًا إلى اختلال كبير وعدم توازن رهيب، فمشكلة طبقة الأوزون لم تنشأ إلا بتزايد نسبة غاز الكلور الفلور الكربونية في الطبيعة، وكذلك فان تزايد نسبة غاز ثاني أكسيد الكربون عن معدلها الطبيعي احدث خللاً رهيبًا في الكرة الأرضية فأصبحت رهينة لما يعرف الآن بالبيوت الزجاجية. وهذا التناسق في فرض القوانين وبسط نفوذ القواعد في نظام بيئي ما أصبحت تعرف باسم (التوازن البيئي أو توازن النظم البيئية).

كيف نحافظ على توازن النظم البيئية ؟

ليست هناك قواعد ثابتة تجب مراعاتها لدرء الاختلال البيئي ولا توجد خطوات ثابتة ومرتبة في التعامل مع الأنظمة البيئية، فلكل نظام أساليب ولكل أسلوب خطوات رتبها المراقبون حسب إمكانيات التطبيق، على أن يكون معلوما أن تعبير المحافظة على التوازن الأنظمة البيئية لا تعني بالضرورة الإبقاء على هذه الأنظمة جامدة متحجرة، بقدر ما تعني المحافظة على استمرار العلاقات والروابط بين مكونات النظام ضمن مجال من التبدلات على أن لا تسبب طغيان عنصر أو كائن على آخر ولا تترك آثارا سلبية حادة ولا تحول دون سرعة عودة التوازن الى هذا النظام، وبمعنى اكثر بساطة إن هذا التعبير يعني المحافظة على البيئة التي نعيش فيها مع أخذ الاعتبارات التنموية والتطورية وكذلك الطبيعية التي من الممكن أن تجرى بشكل دائم.

يتبع…

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق