الأحد، 30 مارس 2014

مسؤولنا من النوع الفوضوي.. فكيف نتعامل معه؟

 

تم النشر في جريدة أخبار الخليج بتاريخ :٣٠ مارس ٢٠١٤

بقلم: د. زكريا خنجي

ويطلق على هذا النوع من الإدارة الإدارة السائبة أو الفوضوية.
ولم أعتقد - في أي يوم من الأيام - أني سأتواجه مع هذا النوع من المسؤولين، حتى وجدته ذات يوم أمامي في أروقة المؤسسة التي يعمل فيها، طوال النهار وهو يتنقل من غرفة إلى غرفة، ومن موظف إلى آخر، يضحك مع هذا ويبتسم إلى ذاك ويمزح مع الثالث ويشرب الشاي مع الرابع، وفي نهاية اليوم يعود إلى منزله وهو يشعر أنه أنجز كل شيء.
ويستمر العمل بهذه الطريقة طوال اليوم والأسبوع والسنة، فلا برنامج موضوع ولا خطة ولا هدف، لدرجة أن الموظفين يقال إنهم يعملون كفريق واحد، ولكن لا أحد يعلم ما توصيفه أو وصفه الوظيفي، الكل يعمل لأجل الراتب فقط.
يقول الدكتور هلال العسكر في مقال نشر في جريدة الرياض يوم الجمعة الموافق 24 أغسطس 2007 – العدد: 14305 إن «المدير الفوضوي، لا يعتمد على نفسه، بل يعتمد أو يفوض أو يرمي بالأمور والمهام- من دون تخطيط - على غيره، تجده مختلطًا لا يعرف له وضوح ولا هدف أو غاية، لا يعرف طبيعة المهمة المنوطة به، أو الواجب الملقى على عاتقه، عنده غبش واختلاط في الرؤيا، عنده تستوي الأمور؛ ليس عنده مهم وأهم ولا يعرف شيئًا اسمه ضروري وغير ضروري، ولا جد ولا هزل، غالبًا ما تجد الأمر المهم عنده تافهًا، وأيضًا قد يجعل التافه مهمًا، ولا يكون عنده ذلك التفريق، كثير من الأمور المختلفة يجعلها عنده متساوية، فليس عنده بالتالي ترتيب للأولويات، أموره مبعثرة وغير منتظمة ولا مرتبة، حاله وشأنه التردد والحيرة، فمرة هنا ومرة هناك، ومرة يبحث عن أمر عنده أو عن شيء قد امتلكه واقتناه، ولكنه لم يضعه في موضعه الصحيح، لديه ضعف في البصيرة وعدم وضوح في تدبر العواقب ومعرفة الغايات والأهداف».
ويواصل ويقول «المدير الفوضوي هو الذي يدع الأمر من دون أن يستعد له أو يفكر فيه ويخطط له، أي أنه علاوة على السرعة، لا يحسن الاستمساك بالأمور على وجهها الصحيح، بمعنى آخر «مرجوج» أو «مهفوف» وهذا من الرجة أو الهفة، وهي كلمات لها صلة أو قرب من معنى الفوضى، فالرجة أصلها من الرج وهو أصل يدل على الاضطراب، ويقال للضعفاء من الرجال الرجاج - أي الذي دائمًا يضطرب ويتردد- الفوضوي ضعيف في عقله لا يستطيع التمييز والاختيار، ضعيف في إرادته لا يستطيع العزم، ضعيف في صبره لا يستطيع الثبات والمواصلة، وكل من كان عنده هذا الاضطراب وعدم الثبات في هذه النواحي وغيرها فهو في نظرنا فوضوي، وهكذا نجد أن هذه المعاني من اتكالية وعشوائية ورجة وهفهفة وغبش، أو عدم وضوح الرؤية، وعدم تحديد الأولويات، وعدم وضوح الغايات، وغير ذلك كله سمة من سمات المدير الفوضوي». أ. هـ.
ومن علامات الفوضوية التسويف، فترى الفوضوي يراكم الواجبات إلى وقت ضيق لا يتسع لها، فيجعل من الفوضوي في عشوائية يضرب في كل واد بسهم، فلا اتقان في العمل ولا إحسان في التصرف، وعند ذلك يحصل التفريط في كل شيء. وفي هذه النوعية من الإدارات، فإن الأعمال على الرغم من ضخامتها غير موجهة، فهي ناشئة عن تفكير آني وعن ردود أفعال سريعة يبدأ في هذا العمل ولا يتمه، ويشرع في هذا الأمر ثم لا يستمر فيه، فهو لا يدري لماذا يسير؟ ولا يدري كيف يسير؟ وإلى أين يسير؟
من صفات الإدارة والمسؤول الفوضوي ما يلي:
1- عدم وجود مهام لكل موظف: فإن قيل لك في يومك الأول في العمل «أننا هنا نعمل بأسلوب الفريق الواحد وكل منا يساعد زميله في مهامه.. الخ» ثم لم تعط أي مهام وظيفية واضحة، ولم تجد أي ملامح واضحة لعمل الفريق الواحد، ولم تعرف كيف يعمل هذا الفريق، فاعلم أنك قد وقعت بين يدي الإدارة الفوضوية. فالعمل بأسلوب الفريق الواحد جيد ومطلوب، ولكن أن تضيع المسئوليات فإن ذلك غير مقبول.
2- الاعتماد على التوجيهات الشفوية أكثر من المكتوبة: إن ما يميز التوجيهات الشفوية أنها توجيهات يصعب حفظها بالنص كما نطقها مطلق التوجيه، كما أنها سريعة النسيان من قبل المتلقي. وأخيرًا، فإن التوجيهات الشفوية يمكن تفسيرها بأكثر من تفسير، لذلك يعتبر هذا الأسلوب ركنا مهما في الإدارة الفوضوية، حيث يمكن للمسؤول أن ينكر أنه أصدر هذا التوجيه أو أنك لم تحفظ ما قاله لك تمامًا أو يقول لك لم أقصد كذا بل قصدت كذا.
3- عدم التوقيع على الخطابات أو الشرح على المعاملات قدر الإمكان: إداريًا يعتبر التوقيع أكبر دليل الإدانة، لذلك يعمد المسؤول الفوضوي إلى تجنب هذا الأمر قدر الإمكان، فتجده عندما تعرض له مشكلة يحاول أن يؤخر اتخاذ أي إجراء لأطول فترة ممكنة، وذلك على أمل أن تحل الأزمة من تلقاء نفسها، أو أن تضيع في زحمة المعاملات. وإن كان مضطرًا للتوقيع أو الشرح فلابد من أن يجر معه أكبر قدر من الموظفين من خلال ما يعرف بالتأشيرات الجانبية، وذلك حتى يستطيع أن يتملص من المسئولية بادعاء أنها غلطة الآخرين.
4- عدم إقرار معايير تقييم الموظفين: إن تقييم الموظف يعتبر وسيلة لحصوله على الترقيات والعلاوات والمكافآت، لذلك يتم استغلال هذا التقييم في نشر الفوضى من خلال عدم وجود معايير منشورة وواضحة، بحيث يقع الموظف تحت رحمة المدير الفوضوي الذي يعاقب من يحاول ترتيب كل فوضى يحدثها بحصوله على أدنى درجات التقييم.
فالفوضى مشكلة كبرى ولها آثار سلبية كثيرة على سير العمل وعلى المسؤول نفسه وعلى الآخرين من زملاء ومراجعين، منها: إضاعة وتبديد الاوقات، انعدام أو قلة الانجازات، الاحباط والفشل، العجز والكسل، فقدان المواهب والملكات، ضياع الأهداف والغايات، ضعف الثقة وسوء السمعة، بالإضافة إلى الإرباك في العمل وقلق الموظفين على أنفسهم ومستقبلهم، والازعاج، الاضطراب، وما إلى ذلك.
إن كنت تستحسن العمل مع هذه النوعية من المسؤولين فهذا شأنك، ولكن ليكن معلومًا أنك لن تجني أي مستقبل مع هذا المسؤول، وإنما الشيء الوحيد الذي ستتحصل عليه هو الضحك والمزاح ومضيعة الوقت وفقد الهوية والجدية، لذلك احــذر وتعرف كيف تتعامل مع هذا النوع من المسؤولين؟
1- التعامل مع هذا النوع من المسؤولين لا يكون إلا من خلال ورق، الأوامر الإدارية والتوجيهات وكل شيء، حتى لا تدخل معه في ظل الفوضى الذي يعيش فيها.
2- عندما يطلبك إلى مكتبه أحرص أن تأخذ معك دفترا لكتابة الملاحظات أو الأوامر أو التوجيهات، وبعدما يمليها عليك، أحرص أن تعيدها عليه مرة ثانية لتتأكد أنك فهمت المطلوب.
3- في الاجتماعات، هذا إن كان هذا النوع من المسؤولين يدعو إلى اجتماع، نجد أن الاجتماع يسوده النقاش الجانبي والخارجي المطول، وقد ينفض الاجتماع من دون اتخاذ أي نوع من القرارات، لذلك دائمًا من المستحسن أن يكون هناك من يكتب محضر الاجتماع، حتى نعرف القرارات التي تم اتخاذها.
4- لا تضع وقتك مع هذا المسؤول كثيرًا إن كان الوقت يهمك أنت، فهذا النوع من المسؤولين لا يعرف قيمة الوقت.
5- حاول ترتيب كل أوراقك ومكتبك وحتى أولوياتك وأفكارك، ولا تدع الفوضى تتسرب إلى حياتك من خلال تواجد هذا المسؤول في حياتك.
6- لا تدخل في صراعات مع هذا الشخص، فهو إنسان لا يقدر ولا يعرف قيمة البشر، ولكن لا تدعه يسرق حياتك وأوقاتك وجهودك، ولا تتصادق معه خارج حدود العمل، ففي العمل أنت ملزم به، ولكن إن صاحبته خارج العمل فأنت هو الأحمق.
وبصورة عامة، ابتعد قدر الإمكان عن هذا النوع من المسؤولين، وإن أمكنك أن تنتقل إلى إدارة أخرى فهذا أفضل، وإلا فلا تنجرف معه، فهو قد يضيعك.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق