الأحد، 23 مارس 2014

كيف نتعامل مع المسؤول الدبلوماسي؟

 

  تاريخ النشر في جريدة أخبار الخليج :٢٣ مارس ٢٠١٤

بقلم: د. زكريا خنجي

تعرف الدبلوماسية أنها فن التعامل مع من لا يمكن التعامل معه، ويقال إن المدير الدبلوماسي هو الذي يطلب منك الذهاب إلى الجحيم بطريقة تجعلك تستعجل تلك الرحلة، وأنت تبتسم.
الدبلوماسية (diplomacy/diplomatic) كلمة مشتقة عن اليونانية (دبلوما diploma) وفعلها دبلون (diplon) ومعناها الوثيقة التي تطوى على نفسها، والتي كانت تصدر عن الشخص ذي السلطان في البلاد وتخول حاملها امتيازات خاصة. وقد دخلت هذه الكلمة المعجم الدولي منذ أواسط القرن السابع عشر حين حلت محل كلمة المفاوضة (negotiation) وتطور مدلول الدبلوماسية مع الزمن وأصبح يشير إلى معانٍ شتى يمكن أن يتضمنها التعريف العام (الدبلوماسية: هي فن وعلم إدارة العلاقات الدولية). ويستعمله الرومان بمعنى المبعوث أو السفير أو بمعنى الرجل المنافق ذي الوجهين.
ومن الناحية التقليدية يُشار إلى فن التفاوض على أنه الممارسة الرسمية التي تتبعها معظم الأمم في إرسال ممثلين يعيشون في بلدان أخرى، وهؤلاء الممثلون المفاوضون يُعرفون بالدبلوماسيين ويساعدون على استمرارية العلاقات اليومية بين بلادهم والبلاد التي يخدمون فيها، وهم يعملون من أجل مكاسب سياسية أو اقتصادية لبلادهم ولتحسين التعامل الدولي.
والإدارة الدبلوماسية تعتمد على ممارسة أسلوب يتسم باللباقة وحسن الخلق، حيث يبذل المدير جهده في إظهار علاقات حسنة مع الموظفين والظهور بمظهر جذاب واغتنام كل فرصة للتفاخر بحسن علاقاته مع الجميع، على الرغم من عدم إشراكهم في وضع سياسة العمل وتحديدها. ويسعى المدير الدبلوماسي جاهدًا إلى استمالة من يخالفونه الرأي وخصوصًا ذوي النفوذ من المديرين والمسؤولين كسبًا لموافقتهم، ويستخدم في ذلك وسائل الإغراء والوعود البراقة وليس إلقاء الأوامر. ومن سلوك الإدارة الدبلوماسية أن المدير يقوم بتأجيل المناقشة أو إحالة الموضوع إلى لجنة لدراسته وتقديم التوصية بشأنه في حالة شعوره بوجود معارضة من قبل الموظفين للآراء المعتمدة من إدارته.
كما يتميز هذا النمط من المسؤولين بالسعي للظهور على مسرح الأحداث في جميع المواقف التي يتبين نجاح المؤسسة فيها بحيث يسند جميع أشكال النجاح فيها إليه، في حين يتوارى ويحتجب عن الظهور في حالة وقوع خلل أو فشل في العمل وعادة ينسب ذلك الفشل إلى الموظفين، بل إنه لا يكاد يجد غضاضة في وضع العراقيل والصعوبات أمام البرامج والأنشطة التي لا تحظى بموافقته، ليبرهن على صحة آرائه وتنبؤاته وواقعية تحفظاته وخبراته.
وبصورة عامة تعد الدبلوماسية أسلوب من أساليب استعمال الذكاء والكياسة في الإدارة، والتي من أساليبها إدارة الحوار والاقناع بأسلوب سلس، يستطيع المسؤول الدبلوماسي من حل الخلافات بينه وبين غيره واخراج نفسه من الأزمات بسهولة، كما أنه يستطيع اقناع الآخرين ومعرفه خفاياهم، وهو محبوب عادة ويتقبله الآخرون لاحترامه لمشاعرهم.
يتميز المسؤول الدبلوماسي بالصفات التالية:
أ‌- القدرة على بث رسالات غير لفظية للآخرين بشكل لاشعوري، وذلك عن طريق جعل الشخص الآخر يفهم ما يريد قوله من دون الحاجة الى الكلام.
ب‌- يلعب مظهره وتصرفاته دورًا أساسيًا في التأثير على الآخرين وإعطائهم الانطباع الذي يريد أن يأخذوه عنه.
ت‌- ذو شخصية مقنعة، فهو قادر على تبسيط الأمور المعقدة بحيث يستطيع أي شخص أن يفهم ما يريد، ولكي يتحقق له ذلك فعليه أن يثقف نفسه ويكون نشيطًا، وواثقًا من نفسه وقدراته.
ث‌- لديه مهارة التواصل الفعالة مع الآخرين، وخاصة الاتصال معهم عاطفيًا وفكريًا، ويمكن أن يطور مهاراته التواصلية والاجتماعية حتى يزيد من شعبيته وجاذبيته، وذلك بالتدرب على التعبير عن نفسه وأفكاره بوضوح من دون إيذاء لمشاعر الآخرين مع الحفاظ على إظهار الاحترام والتعاطف مع الآخرين، وسرعة البديهة واللباقة في الكلام والتصرفات.
ج‌- لديه مهارة الإصغاء بصورة جيدة، وذلك ليس من أجل الاستماع للآخرين، وإنما من أجل التأثير عليهم واستمالتهم.
ح‌- لديه القدرة على استعمال المساحة والوقت بشكل جيد في تحديد مدى قربه من الآخرين وبعده عنهم واحترام خصوصياتهم، وهذا الأمر يعتبر أساسيًا في بناء العلاقات مع الآخرين أو هدمهما، فلربما يقضي الجزء الأكبر من وقت العمل في التقرب إلى أحد الأفراد، وذلك على حساب الإنجاز والعمل.
خ‌- ذو قدرة على التأقلم مع الآخرين عن طريق فهم شخصياتهم وطريقة تفكيرهم، فهذه الخاصية تزيد من كفاءته في الاتصال والتعامل وبالتالي انسجامهم معه.
هذا المسؤول بكل ايجابياته وسلبياته يمكن التعامل معه بعدة أساليب وطرق، ولكن تأكد دائمًا أن هذا المسؤول يستخدم شعرة معاوية بصورة دقيقة ودائمة، فهو لا يحب أن يخسر أحدا أبدا مهما حدث، فهو حريص على إقامة العلاقات الحسنة مع الجميع.
ومن المعروف - أيضًا - أن الدبلوماسية هي اللعب والتحدث في المنطقة الرمادية الواقعة ما بين المنطقة البيضاء الناصعة الصريحة الجريئة، والمنطقة السوداء الغامقة التي تخفي العيوب، والشخص الذي يلعب في هذه المنطقة يحاول دائمًا أن يكسب، فهو لا يحب الخسارة، مهما كان حجمها وكنهها، لذلك يصعب التكهن بما يدور في عقل هذا المسئول أو قلبه، لذلك نعتقد أن الشخص أو الموظف الذي يتعامل مع هذا النوع من المسؤولين عليه أن يتعلم فنون التعامل معه، فهو صعب المراس من ناحية ومعسول اللسان من ناحية أخرى، ولكن في النهاية تشعر أنك خرجت من عنده خالي الوفاض، «فلا طلت بلح الشام ولا عنب اليمن»، لذلك التعامل مع هذه النوعية من المسؤولين يمكن أن يتم بالطرق التالية:
1- عندما تتحدث معه اجلس جيدًا، وابعد يديك عن وجهك، كن واثقًا مما تقول وتكلم بوضوح وهدوء، ولتكن لهجتك متفائلة، كن مقتنعًا ومتحمسًا لما تقول حتى تؤثر فيه وفيمن حوله، كن واثقًا من نفسك وأشعره بذلك. أما عند الوقوف، قف بشكل مستقيم ومريح ولا تهز قدميك أو تقضم أظافرك أو تلعب بقلم في يدك، حتى لا يشعر هذا الشخص الدبلوماسي أنك متوتر أو خائف. وعندما يتحدث إليك اجعله يشعر أنك مهتم بما يقول وأنك مستمتع بالتحدث إليه وابتسم في وجهه بين الحين والآخر، وأشعره بأنك مستمع لما يحدثك به، وحافظ على لغة العيون ونطاق التعبير بينكما.
2- تحدث معه وحاوره واعرض موضوعك بكل وضوح وشفافية، مع دعم موضوعك بالأدلة والوثائق التي تؤكد فكرك، فهذا المسئول يعرف فن التحدث والحوار، فلا تتلاعب معه، أو تحاول إخفاء الحقائق.
3- هذا الشخص يعرف كيف يدير الأمور، ليس ذلك فحسب، وإنما يعرف كيف يديرها بشكل جيد، فهو ينتقي الكلام المناسب، ويعامل الناس بحسن الخلق، لذلك من المهم أن يشعر أنه إنسان محترم ويُحترم أثناء الحوار والاجتماعات والنقاشات.
4- ليكن الحوار القائم بينكما يتسم بالهدوء والعقلانية، حتى إن كان يبيعك الهواء، ولكن بذكائك يمكنك أن تسير به إلى الأمور التي ترغب في الوصول إليها، فهو يعتقد أنه أذكى الأذكياء، لذلك يمكنك استغلال هذه النقطة، وخاصة أمام الآخرين حين تشعره أنه صاحب القرار وبيده مقاليد الأمور.
5- ركز في الحديث معه على موضوع مد جسور التعاون والحب وكسب الآخرين وما إلى ذلك، فهذا الكلام يريح عقله.
عمومًا، ليس من الصعب التعامل مع هذا المسؤول، فبقليل من الذكاء يمكن كسبه، ولكن لا تعتقد أنه يمكنك أن تصاحبه أو ترافقه، فهو يشعر في داخله أنه طاووس، لذلك بكل بساطة يمكن استغلال هذه النقطة لصالحك، ولكن لا تعطيه أكثر من حجمه، ولا تشعر أنك أذكى منه وأكثر خبث، فلكل إنسان مفاتيح للتعامل معه.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق