السبت، 29 مارس 2014

أبجديات العمل البيئي (2)

 

نشر في جريدة أخبار الخليج 17 مايو 1994

حسنٌ، فالنظام البيئي – كما قلنا في الأسبوع الماضي – الذي اختل بسبب أو بآخر يعود إلى الاستقرار مرة أخرى بعد سنوات غير محددة، هذا إن اختفى المسبب أو أمكن التحكم فيه، ويحدث العكس تماما إن لم يتم السيطرة على المسبب، وهذا ما يؤدي في كثير من الأحيان إلى إحداث المشاكل البيئية التي لم تتمكن الطبيعة من ردمها حتى الآن مثل مشكلة طبقة الأوزون أو البيوت الزجاجية أو انتشار الأمراض السرطانية أو الربو والكثير من المشاكل الصحية الأخرى.

وحتى يساهم الإنسان – المسبب الرئيسي في إحداث التغييرات البيئية – مع الطبيعة في ردم الفجوات الضارة فانه من المهم أن يعرف الطرق الصحيحة في المحافظة على البيئة. وهذه النقطة التي توقفنا عندها الأسبوع الماضي.

كيف نحافظ على البيئة ؟

حتى يحافظ الإنسان على البيئة فمن المهم أن يتبع الأبجديات الصحيحة في ذلك، فالعمل في مجال البيئة له قواعد تجب مراعاتها وخطوات من المهم اتخاذها عند التعامل مع الأنظمة البيئية، حتى لا يحدث هذا العمل آثارًا سلبية ضارة تحول دون العودة إلى حالة الاستقرار.

1- التوعية:

وهذه من أهم الأمور التي يجب أن تهم المشتغلين في حقل البيئة، فتوعية الجماهير وتعريفهم بأهمية البيئة التي يعيشون فيها وإقناعهم بأن الإنسان ما هو إلا جزء لا يمكن فصله عن هذه الأنظمة البيئية، يمكن أن يصون جزءًا كبيرًا من البيئة، وتحول هذه الكتل الجماهيرية التي ربما كانت سببًا مباشرًا في الإخلال بالأنظمة البيئية الى كتل جماهيرية نشطة هدفها الأول والأخير المحافظة على البيئة التي تعيش فيها ولتؤمن حياة أفضل للجيل القادم في المستقبل، وبذلك نستطيع أن نكون القاعدة الأساسية أو ما يعرف بتكوين الاتجاه الأفقي للجماهير الفعالة.

2- استخدام المناهج الدراسية والأنشطة اللا صفية :

إن الوعي الجماهيري من الأمور التي لا يمكن الاستغناء عنه، إلا أن هذه النوعية من التثقيف والتي يتم نشرها عبر وسائل الإعلام المختلفة تنحى دائما منحى المعـلومة العامة والكلمة السهلة، لذلك فإنه من المفروض أن يتم التركيز على فئة من الجماهير الشابة التي تستطيع أن تحمل مفهوم البيئة بأبعاده الأكاديمية العميقة. فإدخال التربية البيئية في المناهج التعليمية في مختلف المراحل الدراسية بالإضافة إلى التركيز على الأنشطة البيئية خارج الفصل الدراسي، يكون لنا فئة من الجماهير الشابة تحمل معظم القيم والمهارات والاتجاهات البيئية، وبذلك نكون قد استطعنا أن نربي وننشئ الاتجاه الرأسي في مفهوم الوعي البيئي.

3- إصدار القوانين والتشريعات:

في أثناء تكوين الاتجاهين الأفقي والرأسي من الجماهير، فإنه يجب أن يوازي ذلك إصدار التشريعات والقوانين الصارمة اللازمة للمحافظة على الأنظمة البيئية المحيطة وإلزام الجهات المعنية بها سواء من المواطنين أو من أصحاب الأعمال أو من الدول، ومعاقبة المخالفين مهما كانت نوعية المخالفة وحجمها، فالمخالفات الصغيرة من عدة أشخاص أو من عدة دول تتجمع لتصبح ظاهرة وأزمة بيئية يصعب حلها بعد ذلك.

4- إجراء الدراسات والبحوث:

حتى يمكن توعية الجماهير بطريقة مستمرة أو الاستفادة من المناهج بصورة سليمة وصحيحة أو إصدار القوانين المناسبة فإنه لا يمكن إهمال جانب يعد من اخطر أبجديات العمل البيئي ألا وهو إجراء الدراسات والبحوث الميدانية المستمرة والاستفادة من نتائجها، فوضع الحجر الأساس للمدن الحديثة – مثلاً – أو إقامة المشاريع التنموية يجب أن يخضع قبل كل شيء لدراسات ميدانية وافية قبل البدء في المشروع، كما وانه ليس من الحكمة التصريح بإقامة مصنع ما في منطقة ما من غير دراسة علمية لهذه المنطقة ومدى حساسيتها البيئية، فكيف يتم – مثلاً – التخلص من الأطنان الهائلة من النفايات الصناعية الصلبة والسائلة والغازية ؟ والأمور تقاس كذلك عند الرغبة في الاستفادة من المناهج الدراسية أو الإعلام أو بقية أبجديات العمل في حقل البيئة.

5- التعاون والتفاعل:

نحن في البحرين وفي معظم الدول العربية – بشكل أو بآخر – تتوافر لدينا معظم أبجديات العمل البيئي، فالتوعية موجودة بقدر الإمكان، والمناهج تسعى جاهدة لإدخال التربية البيئية من ضمن أولويات العمل التربوي، والقوانين لا يمكن إنكار وجودها، والدراسات الميدانية سائرة، وكل هذه الجهود ينقصها شيء واحد حتى تتضافر وتصبح ذات مفعول يرى تأثيرها على ارض الواقع. فمثلاً: كم دراسة أجريت على المناهج الدراسية وما نوعيتها لضمان صحة إدخال التربية البيئية في الحقل التربوي ؟ وهل أجريت دراسات واضحة المعالم على الأنشطة اللا صفية حتى يمكن الاستفادة منها في حقل البيئة ؟ وما الجهات التي تعاونت مع بعضها البعض لإصدار مناهج علمية تربوية ذات علاقة بالتربية البيئية ؟ هذا من جانب تفاعل الأبجديات البيئية مع بعضها البعض.

ومن جانب آخر هل حاولت الجهات الرسمية ذات العلاقة بالبيئة أن تحتضن العقول المفكرة والواعدة من شتى الجهات لتعمل منهم ومعهم عملاً بيئيًا مشتركًا يخدم المصلحة العامة ؟ هل حاولت هذه الجهات أن تتعاون مع جميع الأطراف والشخصيات ذات العلاقة بالبيئة في عمل توعوي – مثلاً – مشترك ؟ فالباحث يعمل في حقله من غير اتصال ببقية الأطراف، والقوانين تصدر من غير أن يطلع عليها أشخاص ذو علاقة، والمناهج تتغير من غير دراسات عملية، وبرامج توعوية قديمة ومستهلكة تبث من غير رقابة علمية وقس على ذلك ما تشاء.

كلمة أخيرة

وفي الختام نستطيع أن نقول أن المحافظة على البيئة واجب إنساني لا يرتبط بإقليم أو وطن أو جهة رسمية معينة، فكل البشر الموجودين تحت هذا الغطاء وفوق هذه الكرة معرضون للخطر في حال اختلال التوازن البيئي المحيط ، لذلك فيجب أن تتضافر الجهود و أن يعي الناس بالمخاطر المحدقة بهم، ومن حقهم على الجهات المسئولة أن يشاركوا في وضع الخطط والمناهج للتخفيف من هذه الأخطار، وإلا فإننا سائرون جميعا نحو الهلاك.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق