الأحد، 11 مايو 2014

كيف نتعامل مع شخصيات الموظفين المختلفة؟

 

تاريخ النشر في جريدة أخبار الخليج :١١ مايو ٢٠١٤

بقلم: د. زكريا خنجي

لم أكن أتوقع ردود الفعل تلك التي أرسلها أصحابها إليّ عبر البريد الإلكتروني بعدما بدأت في الكتابة عن شخصيات الموظفين وأنواعهم وأمزجتهم. الغريب أن معظم ما وصلني جاء من مسئولين يعانون من سوء أخلاقيات الموظفين الذين يتعاملون معهم، وإن كنا نحاول تشريح تلك الأخلاقيات وتشخيصها إلا أن هذا لا يمنع أبدًا من وجود نوعيات مثالية من الموظفين الذين يتحلون بأفضل الأخلاقيات والمهارات الوظيفية والحياتية، فالجلوس أو العمل معهم يجعل الإنسان في أفضل حالاته.
وليس عيبًا فيما نذكر إن تشابهت صفات بعض الشخصيات التي نذكرها مع بعض الأشخاص الذين يعيشون من حولنا، ولكن العيب أن يجد منا في نفسه مثل تلك الصفات من غير أن يحاول أن يقوّم نفسه وأن يصحح أخطاءه، ومن منا من غير عيوب ونقص؟ فلنحاول أن نتدارس أنفسنا من خلال هذه الصفات لربما استطعنا أن نصحح مسيرتنا المهنية والأخلاقية، وعليه نواصل في سرد بعض الشخصيات الأخرى.

الشخصية النرجسية
النرجسية تعني حب النفس، وهو اضطراب في الشخصية حيث تتميز بالغرور، والتعالي، والشعور بالأهمية ومحاولة الكسب ولو على حساب الآخرين. والنرجسية كلمة نسبة إلى أسطورة يونانية، ورد فيها أن (نركسوس) كان آية في الجمال وقد عشق نفسه حتى الموت عندما رأى وجهه في الماء.
والصفة الأساسية في الشخصية النرجسية هي الأنانية، فالنرجسي عاشق لنفسه ويرى أنه الأفضل والأجمل والأذكى، ويرى الناس أقل منه، ولذلك فهو يستبيح لنفسه استغلال الناس والسخرية منهم. فهو يهتم كثيرًا بمظهره وأناقته ويدقق كثيرًا في اختيار ملابسه ويعنيه كيف يبدو في عيون الآخرين وكيف يثير إعجابهم، ويستفزه تجاهلهم، ويحنقه النقد ولا يريد أن يسمع إلا المديح وكلمات الأعجاب.
كما يصاحب الشخصية شعور غير عادي بالعظمة، يسيطر على صاحبها حب الذات وأهميتها، وأنه شخص نادر الوجود أو أنه من نوع خاص فريد لا يمكن أن يفهمه إلا خاصة الناس، ولا يمكن أن يتكرر، ينتظر من الآخرين احترامًا من نوع خاص لشخصه وأفكاره، وهو استغلالي، ابتزازي وصولي يستفيد من مزايا الآخرين وظروفهم في تحقيق مصالحه الشخصية، وهو غيور، متمركز حول ذاته يستميت من أجل الحصول على المناصب لا لتحقيق ذاته وإنما لتحقيق أهدافه الشخصية. ويميل النرجسيون نحو إعطاء قيمة عالية لأفعالهم وأفضالهم والبحث عن المثالية في آبائهم أو بدائل آبائهم من حيث المركز والعطاء.

كيف نتعامل معه؟
ربما يعتقد الكثيرون منا أن الشخصية النرجسية لا تختلف عن الشخصية الوصولية - التي تطرقنا إليها في المقال الفائت - إلا أننا هنا نتحدث عن شخصية أكثر تعقيدًا ومرضًا وأنانية، لأنها تنبع من حب الذات وجنون العظمة، لذلك فإن هذه الشخصية تحتاج إلى تعامل من نوع خاص، مثل:
1ـ نجد أن الشخصية النرجسية غير واثقة من نفسها على الأطلاق بل تستمد ثقتها بنفسها من المحيطين بها، فهو غالبًا ما يشعر بالحاجة إلى من يمدحها ويطري عليها، كما يسعد كثيرًا لسماع الإطراء والمدح من الآخرين فهو يستمد قوتها من الآخرين، لذلك إما أن نمدح أو نترك هذا الشخص في حاله، أي أن نتجاهله، عند ذلك يمكننا أن نتفاهم معه.
2ـ الشخصية النرجسية شخصية عنيدة لا تعترف بأخطائها، وغالبًا ما تتسم هذه الشخصية بأنها شخصية ليست قادرة على العطاء، فعطاؤها محدود للغاية ويكاد يكون منعدما، لذلك فلا تتوقع منه الكثير.
3ـ لا تتوقع من الشخص النرجسي أن يقع في الحب - ونقصد هنا حب العمل أو حب المؤسسة التي ينتمي إليها أو حب المسؤول - فهو لا يجد من يستحقها ومن يستحق كل امكانياتها وقدراتها، لذلك نجده لا يستطيع أن يمنح مشاعره لأحد، فالشخصية النرجسية تؤمن بأنه لم يخلق بعد المخلوق الذي يستحق التضحية والحب.
4ـ لذلك، فإن هذه الشخصية لا يمكن التعامل معها إلا بحسب الأنظمة واللوائح، فإن تأخر عن العمل يعاقب، وإن أهمل ينذر، وهكذا فليس له أي طريقة للتعامل إلا بذلك، إلا أن هذا يجب ألا يصل بنا إلى المواجهة والغضب، وإنما يجب أن يتم ذلك بطريقة ذكية وسلسة مع قليل من المدح والإطراء إن لزم الأمر.
5ـ ولكن تجنب الدخول في نقاش وفتح باب للحوار مع هذه الشخصية، فهو لا يناقش بقدر ما يريد أن يفرض رأيه.

الشخصية الشكاكة
الشكاك من كان يعيش في وهم سوء الظن بالناس ويتوقع العداء والأذى منهم، ولذلك يكون لديه ميول عدوانية، وأحيانًا رغبات انتقامية ممن يتوقع منهم الأذى نتيجة مواقف غير مقصودة يقوم بتفسيرها على أنهم يتعمدون الضرر، أو الإهانة له أو قد تصل إلى حد الإقناع بخيانتهم له.
ومن سمات هذه الشخصية النقد والسخرية من الآخرين وتهويل الأخطاء، ولديه القدرة على إقناع المقربين له بمدى غدر وخسّة بعض الأشخاص وقد يكون ذلك غير حقيقي، شديد الحساسية لأى شيء يخصه، ولا يتحمل أي نقد من الآخرين، وهو يعتقد أنه لا يخطئ تفسير نوايا وأهداف الآخرين، على الرغم من أن معظم تفسيراته تحمل سوء الظن حيث يبحث بين الكلمات ليثبت النوايا السيئة، وهو دائم الاتهام لغيره، وأي محاولة لإثبات براءتهم لن تنجح وأحيانًا التودد والتقرب إليه يقلقه ويزيد من شكوكه في رغبة الناس في استغلاله، وغالبًا عندما يصل إلى مركز مرموق يشعر بالفخر والعظمة والاستعلاء على الآخرين.
وينظر إلى الناس باحتقار وقد لا يظهر ذلك بطريقة واضحة، ولكنه قد يقلل من قيمة الآخرين وكفاءتهم، وبعضهم متقلب تجاه الشخص فأحيانًا يشعر بالحب والتقدير له، ولكن عندما يحدث موقف يفسره بطريقة خاطئة أنه يقصد الضرر أو الإهانة ينقلب عليه، ويتهمه بالغدر والخيانة ولا يقبل أي تفسير وقد يتوجه إلى العنف، وبعد أن يهدأ قد يتصرف بطريقة مختلفة تمامًا كلها ود وحنان كأن شيئا لم يحدث، ويتكرر هذا منه كثيرًا، مما يجعل من معه يفقد إحساسه بالأمان، ولا يمكنه أن يتنبأ متى سوف يحدث هذا الانقلاب.
والمضحك المبكي في الموضوع أن هذه الشخصيات - كما يقول الأطباء النفسانيون - عرضة لمرض «البارانويا أو الشك المرضي»، وفي هذا المرض يعتقد باقتناع تام أن بعض الأشخاص يدبرون له المكائد، وأن أقرب الأقربين يقومون بخيانته، ويعتقد أن الناس تتكلم وتتحدث عنه، وقد يصل الاعتقاد إلى أن أجهزة التلفزيون والراديو تبث رسائل موجهة ضده شخصيًا.

كيف نتعامل معه؟
يجب التعامل بعناية وحرص مع الشخصيات الشكاكة، وذلك عن طريق التالي:
أـ التعامل الصريح المباشر وتجنب التقرب الشديد أو المجاملة أو التملق الزائد، حيث يعتقد أنها خديعة وطريق للوصول إلى ذاته.
ب ـ ابني الثقة معه وذكره بها وركز عليها، حاول أن تحتوي مشاعره، ولكن لا تقبل الأخطاء ولا الاتهامات، ولكن لا تدافع عن نفسك ولا تجادله، وإنما حاول أن توضح له أنه على خطأ فيما يقول.
ت ـ كن صريحًا وواضحًا معه في الأقوال والأفعال لئلا تثير الريبة في نفسه، ويجب الحذر في التعامل معه، فهو يفسر بطريقته الخاصة ما بين السطور، لذلك يجب أن يتم وزن كل كلمة في التعامل معه وأن تكون الكلمات مختصرة قدر الإمكان، مع عدم المبالغة في الصراحة معه أو الاعتذار منه إذا بدر منك تجاهه تقصير، فإنه قد يفسر تصرفك تفسيرًا غير الذي قصدت أنت.
ث ـ تجنب مجادلته ومماراته وانتقاده ولاسيما أمام الناس، وبين له ما تراه صوابًا بأسلوب لطيف من دون تعنيف أو إلزام بتغيير قناعاته فليس هينًا عليه أن يفعل ذلك.
ج ـ إن احتجت إلى محاورته فاستعد لذلك بالأدلة المقنعة والحجج القوية والحوار الهادئ مع الحذر من إسقاطاته، بالإضافة إلى ضرورة امتصاص غضبه بهدوء وثبات وعدم التقليل من قدرته أو التحقير من شأنه، ولا تثير غضبه، والرد على انتقاداته بعنف، فمن الجدير بالذكر أن هذه الشخصية ليس للكلام ثمن عندها، وهي شخصية غير منطقية في الرد والحديث، كما أنها تضيع الوقت من دون اهتمام، ويتحدث كثيرًا عن موضوعات غير الموضوعات المطروحة للنقاش.
ح ـ يجب مقاطعته بلباقة، كما يجب أن تطلب منه تلخيص ما يقول ولا ينبغي التركيز عليه مع ضرورة تجاهل تعليقاته، وعدم الوقوف عند كل كلمة يقولها، ويجب السماح للمستمعين بمقاطعته كلما أصر على الحديث، محذرًا من إسكاته بالقوة لأنه شخصية عنيدة.
خ ـ لا تدعه يسقط عليك أخطاءه وتقصيره وهفواته، ولا تواجهه بعنف فينفجر إلا إذا كان لك عليه سلطان، وتستطيع أنت أن تسيطر على الموقف ولديك ما يكفي من البراهين والشهود.
د ـ أعطه ما يستحقه من الاحترام والتقدير إن كان أهلاً ولا تحتقره إن لم يكن أهلاً للاحترام.
ذ- إذا رأيت أن المواجهة الكلامية لن تجدي معه فاستعمل أسلوب المكاتبة.

عمومًا، لم أكد أن ابتدئ في الكتابة في الموضوع معتقدًا أن هذه الحلقة ستكون هي المقال الأخير في هذا الموضوع، إلا وجدت نفسي أمام عدد كبير من الشخصيات والنماذج التي نعايشها كل يوم، ولكن دعونا أو سنحاول أن ننهي هذا الموضوع في المقال القادم إن شاء الله.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق